الكابيتال كونترول “قنبلة” الخلاف بين السلطة والمصارف.. وتفجير الشارع!
"المصارف" تشترط شطب ديون "المركزي" من الودائع وتبرئة ذمتها!
تعثر تمرير اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” في مجلس النواب، بعدما سقط في اللجان النيابية المشتركة التي لم تنعقد بسبب رفض الكتل النيابية مناقشة القانون قبل الاطلاع على خطة الحكومة للتعافي المالي.
اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” الذي “سلقته” الحكومة وفق تعبير أحد النواب المشاركين في جلسة اللجان، ورمته إلى المجلس النيابي لإزالة ثقل المسؤولية عن ظهرها و”تلبيص” مجلس النواب، لم يناقش في جلسة الأمس بل تم ربطه بخطة التعافي التي تدعي الحكومة إنجازها، فيما لم تطلع المجلس عليها حتى الساعة ومن غير المعروف بنودها وكيفية تعاطيها مع الفجوة المالية العامة البالغة 104 مليار دولار، وفق ما يشير مرجع مالي وخبراء اقتصاديين لـ”أحوال”.
لكن مجلس النواب كمن يلحس المبرد، مطلوب منه إقرار أخطر اقتراح قانون يعالج مجمل الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية منذ عقود، والبت بمصير الودائع المصرفية وأموال الناس والقطاع المصرفي ومستقبل الوضع الاقتصادي والمالي برمته، كذلك على المجلس إنجازه قبيل الانتخابات النيابية بثلاث أسابيع!
فضل مجلس النواب إعادة قذف كرة النار إلى ملعب القصر الحكومي والحؤول دون تجرع كأس القانون المرة، ولجأ إلى مسرحياته المعهودة، باصطناع الخلاف أو تظهيره اعلامياً ليكون المبرر لتطيير الجلسة، ثم تتوالى التصريحات الشعبوية والمزايدات الانتخابية وإظهار الحرص على أموال المودعين وحقوق الناس.
لكن المجلس الحالي نفسه الذي يدعي حرصه على ودائع الناس، وفق مصادر مالية، كان الشاهد والشهيد على سرقة هذه الودائع وتحويل مليارات الدولارات الى الخارج قبل وبعد وخلال أحداث 17 تشرين 2019.. فلماذا لم يسارع المجلس يومذاك إلى إقرار قانون “الكابيتال كونترول” للحؤول أو الحد من تحويل الأموال الى الخارج؟ لكان حافظ على سيولة المصارف والودائع المصرفية والاحتياطات في مصرف لبنان، وبالتالي منح الدولة قدرة أكبر وأطول على الصمود وأخّر انفجار الأزمة.
ووفق المطلعين على الملف، فإن هذا القانون سيكون القنبلة التي ستفجر الخلاف بين مختلف أركان الدولة ومؤسساتها السياسية والمالية والنقدية، فمن جهة هناك خلاف حكومي – نيابي على بند الودائع، وخلاف حكومي مع مصرف لبنان والمصارف حول توزيع الخسائر، وخلاف آخر لا يقل أهمية بين المصارف وصندوق النقد الدولي حول رؤية الصندوق تحميل المصارف وكبار المودعين الخسائر دون الدولة ومصرف لبنان، متوقعة أن تستعر المواجهة بين الجهات المعنية بالأزمة بموازاة تحركات شعبية واسعة النطاق للمتضررين من بنود هذا القانون.
وتكشف الجهات المطلعة أن فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونائبه سعادة الشامي، وافق على رؤية بعثة صندوق النقد وخطته للتعافي المالي، وأحد بنودها حماية صغار المودعين ومصرف لبنان والدولة وتحميل المصارف وكبار المودعين الجزء الأكبر من الخسائر، كون المصارف هي التي أساءت استخدام هذه الأموال عبر استثماراتها العشوائية، ما لاقى اعتراض جمعية المصارف وجهات نقابية عدة، فضلاً عن جمعية المودعين.
في المقابل، يكشف مصدر نيابي مشارك في جلسة اللجان لـ”أحوال” إلى أن “القانون الحالي يمنح المصارف صك براءة أو إبراء ذمة عن كل ارتكاباتها السابقة وتجميد الملاحقات القضائية، وطمس الودائع وأموال الناس في زواريب السياسة والمصالح بما يخالف الدستور والقانون”.
ويشدد المصدر على تحميل الدولة ومصرفها المركزي والمصارف الذين هدروا أموال الدولة والناس المسؤولية الأكبر، عبر توظيفات عشوائية وإقراض مخالفة للدستور وفوائد ريعية دمرت الاقتصاد الإنتاجي.
كتل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي اقتنصوا الفرصة وحولوها الى منصة لإطلاق الشعارات الشعبوية والمزايدات الانتخابية برفض القانون والحفاظ على ودائع الناس وربط نقاش القانون بالاطلاع على خطة الحكومة للتعافي، لكن كيف وافق ممثلو هذه الكتل في الحكومة على خطة التعافي؟ أما كتل ثنائي أمل وحزب الله، فرفضوا أي قانون يمس بأموال المودعين، ما دفع بعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله الى دعوة الذين يريدون حماية اموال المودعين، للتصديق على “اقتراح قانون واضح يلزم المصارف إعطاء المودع أمواله بدل كل هذه الخطابات والوعود والمزايدات”.
“الخبصة” النيابية أثارت امتعاض رئيس الحكومة وفق مصادره، ما دفع برئيس المجلس النيابي نبيه بري لإيفاد نائبه إيلي الفرزلي لتهدئة خاطر “السراي” والإطلاع على خطة التعافي الحكومية.
ووفق الفرزلي، فإن ميقاتي وجه رسالة إلى مجلس النواب مرفقة بنسخة عن الخطة المبدئية التي عرضتها الحكومة لوضع الملاحظات على مضمونها، لكن لم يعرف إذا كانت الرسالة تتضمن خطة التعافي أم لا؟
التسريبات التي أحاطت بالخطة الحكومية، تشير إلى “إعادة رسملة النظام المصرفي”، وتتحدث عن خسائر في هذا القطاع تزيد عن 72 مليار دولار.
ويركز البند الثاني بحسب الخطة، على “أولوية إعادة تكوين ميزانية مصرف لبنان المركزي وتقدير خسائره بحدود 60 مليار دولار، فضلاً عن خسائر إضافية مرتقبة جراء إعادة هيكلة الدين الحكومي وتوحيد أسعار الصرف.
وتقترح الخطةُ شَطْبَ 60 مليار دولار من التزامات البنك المركزي ازاء البنوك التجارية، ومن ثم المساهمة بإعادة الرسملة جزئياً عبر إصدار سندات سيادية بقيمة 2.5 مليار دولار قابلة للزيادة لاحقاً، على أن يجري تذويب الرصيد الباقي للخسائر خلال فترة 5 سنوات، ما يعني بحسب الخبراء شطب 60 مليار دولار من قيمة الودائع المصرفية، لا سيما وأن القطاع المصرفي يرفض إعادة الودائع قبل استعادة ديونه من المصرف المركزي، الذي يطلب من الدولة تسديد ديونها من البنك لكي يسدد بدوره للمصارف.
ويسأل الخبراء: هل شطب ديون المركزي للمصارف البالغ 60 مليار دولار، يعني شطب أموال المودعين؟ وكيف يدعي رئيس الحكومة الحفاظ على الودائع في ظل خطة الحكومة وصندوق النقد بتحميل المصارف وبالتالي المودعين الخسارة الأكبر؟
ويتردد في الكواليس أن جمعية المصارف اعترضت أمام رئيس الحكومة على هذه الخطة وربطت موافقتها على شطب ديون مصرف لبنان بشطب قيمة الودائع المصرفية حتى إعادة تكوين رأس مال مصرف لبنان والمصارف وحصول لبنان على الثلاث مليارات الموعودة من صندوق النقد الدولي، ووقف الملاحقات القضائية للمصارف وتبرئتها من الاتهامات الموجهة إليها من إثراء غير مشروع وتحويلات خارجية وتوظيفات داخلية وقروض مخالفة لقانون النقد والتسليف.
محمد حمية